طرح الكاتب إيتاي ميلخيور في تقريره المنشور في أتلانتيك كاونسل سؤالًا محوريًا حول ما إذا كانت اتفاقيات أبراهام تقترب من أصعب اختبار سياسي لها حتى الآن، مع تصاعد دعوات إسرائيلية داخلية نحو ضم أجزاء من الضفة الغربية. فبينما نجت تلك الاتفاقات من تداعيات الحرب المستمرة في غزة، قد يشكّل الضمّ – إن مضت تل أبيب في تنفيذه – تحديًا وجوديًا لروح التطبيع التي أرستها مع الدول العربية، خصوصًا الإمارات.
ذكّر التقرير بأن الإمارات، التي نجحت عام 2020 في إيقاف خطة الضم الإسرائيلية مقابل توقيع اتفاقية أبراهام، وجّهت في الشهر الماضي تحذيرًا واضحًا بأن ضم الضفة الغربية "خط أحمر" يهدد أسس العلاقات الجديدة مع إسرائيل. ومع ذلك، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا داخلية متزايدة لإعلان السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة، بعدما تحوّل المطلب من شعار يميني محدود إلى خطاب سياسي يتبنّاه التيار الرئيسي في حزب الليكود نفسه.
من اليمين المتشدد إلى التيار الحاكم
أشار ميلخيور إلى أن فكرة الضم لم تعد حكرًا على الأحزاب اليمينية الصغيرة، بل أصبح أعضاء بارزون في الليكود أنفسهم من أشد الداعين إليها، مدفوعين بعدة عوامل. أولها قناعة متنامية بأن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد تدعم خطوة الضم أو تتغاضى عنها، ما يخلق "نافذة زمنية ضيقة" قبل سقوط محتمل لحكومة نتنياهو.
كما غذّى هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 التحول في الرأي العام الإسرائيلي، إذ رأى كثيرون في اليمين والوسط أن كيانًا فلسطينيًا مستقلًا داخل مرمى الصواريخ لم يعد مقبولًا. لذلك صوّت الكنيست في يوليو الماضي على اقتراح غير ملزم يؤيد الضم بأغلبية 71 صوتًا مقابل 13 فقط.
الخوف من الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية
يضيف التقرير أن دعوات دول أوروبية، أبرزها جاءت من فرنسا، للاعتراف بدولة فلسطينية دفعت اليمين الإسرائيلي لتسريع مطالبه بالضم، بدعوى أن هذا الاعتراف يُبطل عمليًا اتفاق أوسلو. كما ينظر بعض القادة الإسرائيليين إلى الضم بوصفه إجراءً عقابيًا ورسالة تحذير لتلك الدول بأن أي خطوة أحادية من جانبها ستقابل بإجراء أحادي من تل أبيب.
ثلاثة سيناريوهات محتملة للضم
قسّم التقرير الأراضي الفلسطينية وفق اتفاق أوسلو إلى ثلاث مناطق:
- المنطقة (أ) تحت سيطرة السلطة الفلسطينية وتشكل 18٪ من المساحة.
- المنطقة (ب) بإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية وتشكل 22٪.
- المنطقة (ج) التي تخضع بالكامل لسيطرة إسرائيل وتمثل 60٪ من الضفة، ويعيش فيها نحو 400 ألف مستوطن مقابل 300 ألف فلسطيني.
يرى ميلخيور أن:
- السيناريو الأول والأكثر ترجيحًا هو ضمّ غور الأردن الذي يشكل نحو 17 إلى 22٪ من الضفة. ويعتبره الإسرائيليون حاجزًا أمنيًا حيويًا بين الضفة والأردن، ويُعتقد أن ضمه لن يؤدي إلى انهيار اتفاقيات أبراهام، بل إلى "فترة تبريد" قصيرة.
- أما السيناريو الثاني فيتمثل في ضم الكتل الاستيطانية الكبرى، لكنه يخلق خريطة معقدة بحدود يصعب الدفاع عنها، فيما يرى اليمين المتشدد أنه إذا لم تُضم كل المناطق دفعة واحدة فسيُعتبر الباقي نواة لدولة فلسطينية مستقبلية.
- السيناريو الثالث، الذي يطرحه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يقضي بضم 82٪ من أراضي الضفة وترك المدن والتجمعات الفلسطينية للسلطة، ما يعني وضع نحو 80 ألف فلسطيني تحت الحكم الإسرائيلي المباشر.
معضلة نتنياهو السياسية
يرى التقرير أن نتنياهو يواجه مأزقًا مزدوجًا: فحكومته مهددة من الأحزاب الدينية المتشددة التي ترفض قانون الخدمة العسكرية الإلزامية، ومن أحزاب يمينية تضغط باتجاه الضم. ومع اقتراب موعد إقرار الموازنة في ديسمبر، يخشى نتنياهو انهيار الائتلاف، لذا قد يستخدم ورقة الضم كأداة لتوحيد صفوف اليمين وإبقاء حكومته قائمة حتى الانتخابات المقبلة.
لكن أي فشل في تمرير الموازنة بحلول مارس سيعني انتخابات مبكرة خلال 90 يومًا. وتُظهر استطلاعات الرأي أن تلك الانتخابات قد تأتي بحكومة وسطية يسارية جديدة، ما يدفع نتنياهو إلى تسريع خطواته في الضم لكسب دعم القاعدة اليمينية قبل فوات الأوان.
التأثير الإقليمي والدولي
أكد ميلخيور أن الضم سيُحدث صدمة في النظام الإقليمي الناشئ. فالسعودية، التي تسعى إسرائيل إلى تطبيع العلاقات معها بعد الحرب في غزة، أعلنت بوضوح رفضها أي خطوات إسرائيلية في هذا الاتجاه، مشيرة إلى أن المضي في الضم سيقوض أي تقارب محتمل. ونقلت مصادر أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد اتفقا على أن التراجع عن اتفاقيات أبراهام قد يكون خيارًا واقعيًا إذا مضت تل أبيب نحو الضم.
أما الموقف الأمريكي فبقي غامضًا. فبينما بدا عام 2020 أن واشنطن تمنح "ضوءًا أخضر جزئيًا"، عاد ترامب مؤخرًا ليقول إنه "لن يسمح لنتنياهو بضم الضفة الغربية". وتراقب الإدارة الأمريكية الجديدة المشهد بحذر، فيما تحذر الإمارات البيت الأبيض من أن السماح بالضم سيقوّض استقرار المنطقة ويهدد علاقات واشنطن مع العالم العربي.
مستقبل أبراهام على المحك
يختتم التقرير بالتأكيد على أن مصير اتفاقيات أبراهام مرهون بما سيحدث في الضفة الغربية. فإذا مضت إسرائيل في الضم، ستواجه خطر العزلة الدبلوماسية وتراجع مسار التطبيع العربي، خصوصًا مع السعودية والإمارات. أما إذا تراجعت عن الخطوة، فقد تخسر نتنياهو قاعدته اليمينية التي تعتبر الضم "الفرصة التاريخية الأخيرة" لرسم حدود إسرائيل الدائمة.
في الحالتين، يرى ميلخيور أن قرار الضم لم يعد شأنًا داخليًا إسرائيليًا، بل رهانًا جيوسياسيًا يعيد تشكيل موازين القوة في الشرق الأوسط ويختبر مدى صمود التحالفات الجديدة في وجه أزمات العقيدة والهوية والسيادة.